الجمعة, 26-ابريل 2024- الساعة 10:34 ص - آخر تحديث: 09:47 م (18:47) بتوقيت غرينيتش

محمد سالم بارمادة

مأرب ترفض الجاهلية الأولى

محمد سالم بارمادة

سيبقى اليمن بعمقه العربي

محمد سالم بارمادة

أتعرفون ماذا تعني المواطنة ؟

ياسين سعيد نعمان

وطن النجوم.. وجورج قرداحي
معمر بن مطهرالارياني
حرية التعبير في اليمن... الارتداد الى الخلف
معمر بن مطهرالارياني


 
بعد جهود حثيثة منذ اوائل التسعينات وخاصة في العقد الأول من هذه الألفية استطاعت الجمهورية اليمنية ان تحجز موطيء قدم لها في حيز الديمقراطيات الناشئة وتفتح المجال لتعزيز قيم الديمقراطية والتعددية وحرية الصحافة. ولذا شهدت الأعوام الأولى من الألفية توسع غير مسبوق في عدد المؤسسات الإعلامية وانواعها وكذلك بالنسبة لمنظمات المجتمع المدني الحقوقية والسياسية العاملة في مجال الحريات، بما فيها حرية التعبير. وبالرغم من التحديات التي كانت تطرأ سواء من قبل الجهات الحكومية او الحزبية، او التحديات المالية والمؤسساتية، استطاع الإعلام اليمني سواء الرسمي او الحزبي او المستقل، ان يصنع جمهوره ويترك أثر في المجال الإعلامي على مستوى المنطقة وليس فقط الجمهورية اليمنية.


وقد ساهمت اليمن منذ دسترة التعددية الحزبية السياسية وقت انشاء الجمهورية اليمنية في 22 مايو 1990 في احتضان عدد من الفعاليات الإعلامية كان من ابرزها إختياراليمن من بين الدول العربية جمعاء لاستضافة الندوة الدولية حول تعددية وإستقلالية وسائل الإعلام العربية في يناير عام 1996م من قبل منظمة الأمم المتحدة في نيويورك ومنظمة اليونسكو في باريس أسوة بالندوات الدولية التي عقدتها الأمم المتحدة واليونسكو وفي أفريقيا وغيرها من بلدان العالم الثالث. وقد كان النصف الأول من عام 2014 بالذات مبشراً بالنسبة للحريات الإعلامية وحقوق الانسان في اليمن بشكل عام من خلال مخرجات مؤتمر الحوار الوطني والتي تم ترجمتها الى مسودة دستور لو يتم اعتماده لجعل اليمن مثالاً يقتدى به في مجال الحريات.


ولعل هذه  الصفحة المشرقة في الواجهة الدولية كفيلة بالمقارنة بين التجربة اليمنية في التعاطي بقيم الديمقراطية والتعددية السياسية التي تمثل حرية الصحافة بوابتها وقاطرتها الرئيسية وبين ما آلت إليه الاوضاع في ظل الانقلاب على الشرعية والسلطة والنظام من قبل ميلشيات الحوثي المدعومة من إيران.


فخلال هذه الفترة من سيطرة ميلشيات الحوثي ، تشهد اليمن أبشع الجرائم بحق الصحفيين والإعلاميين والتي تصل إلى مستوى الجرائم بحق الإنسانية برمتها. وفي ضوء رصد الانتهاكات واستلاب حقوق الصحفيين والتي طالت حياتهم، تشير التقارير الرسمية الصادرة عن نقابة الصحفيين اليمنيين واتحاد الصحفيين العرب والاتحاد الدولي للصحفيين العرب إلى ارقام ومعطيات خطيرة ومذهلة وفي نفس الوقت موثقة بلا مبالغة أو تحيز.

فمنذ سيطرتهم على صنعاء، بدأت الميليشيا الانقلابية باختطاف وملاحقة الصحفيين والسيطرة على الإعلام الرسمي ومحاصرة الإعلام الأهلي ومهاجمة المقرات الإعلامية ونهبها.

فقد كشفت المنظمات الحقوقية اليمنية والدولية عن واقع مأساوي عاشه الإعلاميون في اليمن خلال عامي 2015 و2016 والربع الأول من 2017م، ما حدا ببعض التقارير إلى توصيف اليمن تحت الانقلاب بأنها أصبحت من أخطر البيئات التي يعمل فيها الصحفيون في العالم، وشبهت منظمة معنية بحرية الصحافة اليمن في 2015م بسجن أو معتقل كبير للصحافيين والإعلاميين.


ورسمت تلك المنظمات وضعاً مأساوياً لبيئة العمل الصحفي والإعلامي في اليمن كما جاء في تقارير نقابة الصحفيين اليمنيين، والاتحاد الدولي للصحفيين، ومنظمة صحفيون بلاحدود ومنظمة المادة (19) ولجنة حماية الصحفيين.
ولم تكتف سلطة الحوثيين بتصوير الصحفيين بأنهم مجموعة من العملاء والمخبرين كما أكدت ذلك في الاتهامات التي وجهت للمعتقلين لديها، بل شرعت في محاكمة بعض هؤلاء في معتقلات تحت الأرض في مبنى جهاز الأمن السياسي. كما واصلت مراقبة هواتف وإيميلات البقية المتبقية منهم والذين فضلوا الصمت وكانت قصص اعتقال واتهام الصحفي والمحاضر في كلية الإعلام يحيى عبد الرقيب الجبيحي ونجله بسبب ذهابه للعلاج في احد المستشفيات السعودية، ويوسف عجلان المحرر السابق في موقع وصحيفة المصدر بسبب شكوك الجماعة بتزويده الموقع بأخبار الاحتجاجات التي نفذها الموظفون العمومين للمطالبة برواتبهم الموقوفة شواهد حية على مدى العداء الذي تبديه هذه الميليشيات تجاه الصحفيين ووسائل الإعلام كما اختطفت الملشيات في أغسطس الصحفي عبدالرحيم محسن على خلفية كتاباته وفي شهر سبتمبر أختطفت كامل الخوداني.
 
 
فقد تعرض كثير من الصحفيين للاختطاف منذ بداية الانقلاب، لكن 18 صحفيا حتى اليوم ما يزالوا في معتقلات الحوثيين ويعيش هؤلاء اوضاعا قاسية في السجون ويحرمون من حقهم في مقابلة أقاربهم ومن الرعاية الصحية وتعرض بعضهم لحالات الشلل التام والإعاقة نتيجة التعذيب. كما أن الجماعة أحالت عشرة منهم للمحاكمة قبل أسابيع.. تتم هذه المحاكمات في محاكم أمن دولة لا تتوفر فيها حقوق الدفاع المشروع ولا أدني معايير المحاكمة العدالة.
 
ربما لا يدرك البعض وسط أجواء القتال والوضع الإنساني الكارثي الذي خلفته الحرب حجم الكارثة التي حلت بحرية التعبير في اليمن، إذ أن إجراءات القمع لم تقتصر على الصحفيين ووسائل الإعلام ولكنها امتدت إلى النشطاء ورواد مواقع التواصل الاجتماعي حيث أصبح هؤلاء عرضة للاعتقال اليومي ويوجد حاليا العشرات منهم في سجون ومعتقلات سرية في كافة المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين والتهمة جاهزة ولا تغادر أحدا وهي التعامل مع التحالف أو التخابر لصالحه،  وقد صرح كبير المفاوضين محمد عبدالسلام عن جماعة الحوثي خلال المحادثات  التي استضافتها الكويت العام الماضي أن المحتجزين في معتقلاتهم هم أسرى حرب وليسوا نشطاء أو صحفيين.
 
 كما طال  القمع المنظمات العاملة في مجال حقوق الإنسان والتي توقفت عن العمل باستثناء المنظمات التي تعمل بمحددات تجنبها الاستهداف والقمع. من المهم الإشارة هنا إلى أن مدير أحد من مركز الدراسات المستقلة تعرض للاعتقال لمجرد مشاركته في مداخلة على إحدى القنوات الإخبارية التلفزيونية ولم يتم الإفراج عنه إلا بتدخل قيادات كبيرة في الجماعة وضمانات بان لايعود للحديث للمحطات التلفزيونية. 
 
لا تقتصر انتهاكات الحوثيين على من يعارضون انتهاكاتها منذ سيطرة الجماعة على عمران والعاصمة صنعاء، بل امتدت جرائمهم لتطال مؤخرا صحفيين ومدونين كانوا في السابق يؤيدونها أمثال الصحفي كامل الخوداني الذي ينتمي لحزب الرئيس السابق علي عبدالله صالح. فقد اقتحم الحوثيون منزله قبل أسابيع واطلقوا النار على ابنته واعتدوا على زوجته وقاموا باختطافه قبل أن يطلقوا سراحه بعد أيام من التحقيق والتعذيب.
 
كذلك وفقاً للاحصائيات المتوافرة لدى وزارة الإعلام اليمنية وبمقارنة واقع الصحافة والإعلام قبل الانقلاب الحوثي ومابعده يتضح جلياً مايلي:
-في العام 2013م كان هناك 17 صحيفة يومية، و 155 صحيفة أسبوعية، و 26 صحيفة ومجلة نصف شهرية، 81 صحيفة ومجلة شهرية، و 16 صحيفة ومجلة فصلية وبإجمالي 295 صحيفة ومجلة، بينما في نهاية العام 2015م تناقص العدد بعد الانقلاب إلى أقل من 10 صحيفة ومجلة.
-في العام 2013م كان هناك 4 قنوات رسمية و 15 قناة خاصة، بينما في نهاية العام 2015م أصبحت هناك 2 قناة رسمية مختطفة من الانقلابيين و 2 قناة أخرى تتبع الانقلابيين.
-في العام 2013م كان هناك 13 إذاعة أهلية، بينما في نهاية العام 2015م استولى الحوثيون على 12 منها وأصبحت تدار من قبلهم وتستخدم في التحريض والتعبئة الحربية.
 
 
ولكن هناك بصيص أمل بالنسبة للإعلام اليمني في المناطق المحررة فقد استعاد الإعلام أنفاسه في عدن والمحافظات المجاورة، حيث عاودت العديد من المطبوعات  النشر مجددا في العاصمة السياسية في عدن وحضرموت ومأرب. ويبلغ عدد المطبوعات الحكومية والمستقلة والحزبية التي تنشر في المناطق المحررة 21 صحيفة منها ثلاث صحف حكومية علما بأن من هذه الصحف ما هو معارض للحكومة وينتقدها ليل نهار، لكن الحكومة تؤمن بحق اليمنيين في التعبير عن آرائهم.
 
ونحن في وزارة الإعلام في اليمن وانطلاقا من مسئوليتنا الوطنية والدستورية، نعمل على تعزيز قيم التعايش  ونبذ العنف و العنصرية والطائفية من خلال خطاب إعلامي متوازن يعلي من قيمة السلام ويرفض انتهاك حقوق الإنسان ويحث المجتمع اليمني على مواجهة الإرهاب والتطرف. فين حين لايوجد اليوم ثمة صحافي أو إعلامي يجروء على الكلام أو التعبيير عن رأيه في المحافظات الخاضعة لسيطرة الحوثيين. ولا توجد اليوم مؤسسات إعلامية تعبر عن التعدد أو التنوع، ولا يوجد مراسلون ولا ممثلون لقنوات فضائية عربية ودولية وأغلب الصحفيين مطاردين ومعتقلين ومشردين في اصقاع الارض من شرقها وغربها بلا استثناء.
وفي ظل هذه المأساة الإنسانية التي طالت وتطال الصحفيين والإعلاميين اليمنيين، لاننسى دور الشقيقة الكبرى الجارة المملكة العربية السعودية التي كانت السند والمؤازر وفي لملمة الجراح وإحتضان أشقائهم من أبناء اليمن بمختلف إنتماءاتهمالساس​ية والحزبية والعقائدية وبضمنهم الصحفيون اليمنيون الذين فروا بجلدهم من جبروت وطغيان الملشيات الحوثية الانقلابية.


وفي نهاية المطاف، فإن ثقافة القمع وتكبيل الحريات ستنتج جيلاً او حتى اجيال من اليمنيين المكبوتين او المغيبين ذهنياً واللذين يسهل التأثير عليهم واستدراجهم لدعم مفاهيم متطرفة مبنية على فكر عقائدي ارهابي. وذلك لأن المناطق الخاضة لسيطرة الحوثين تشكل بيئة خصبة للعصبية العقائدية العرقية وتدفع بالمدنية والحقوق والحريات الى الخلف بل وتجعل منها العدو. وتغيير ثقافة مجتمع بهذا الشكل الممنهج التدميري ليس من السهل اصلاحه خاصة اذا استمر لسنين طويلة وتأصل في المجتمع من خلال المناهج الدراسية وزراعة الثقافة المخابراتية البوليسية في المجتمع والتي يستخدمها الحوثيين واتباعهم في التحريض ضد الفكر الحر والإعلام المستقل وحرية التعبير بشكل عام.
وفي حال لم يتم التعامل مع ما يحدث في اليمن بجدية وبمسئولية، فإن الثمن سيكون باهضاً ولن يدفعه اليمنيون لوحدهم، بل سيدفعه العالم بأكمله جراء تجاهله للجرائم الشنعاء ضد الفكر والمدنية والحريات.

شارك برأيك
إضافة تعليق
الأسم
الموضوع
نص التعليق